مبدأ المشروعية بين النص القانوني و الاجتهاد القضائي « دراسة مقارنة »

معلوم أن سلطات الدولة في العصر الحديث قد اتسعت بالمقارنة مع دورها في الماضي حيث كان مقصوراً على الدفاع عن أراضيها من الاعتداء عليها خارجيا وحفظ الأمن الداخلي والفصل في المنازعات عن طريق ولاية القضاء، أما الآن وفي ظل الدولة الحديثة والتي أخذت على عاتقها أن تهيئ لأفرادها مختلف الخدمات من صحة وتعليم وإسكان وتجارة وصناعة، كان عليها أن تنشئ المزيد من الهيئات الإدارية، وأن تمنحها قدراً من السلطات والوسائل التي تعينها على أداء هذه الخدمات وذلك بموجب قوانين حسب مقتضى الحال، ووسط هذه السلطات المتسعة والتي لا غنى عنها لانتظام حياة الأفراد في المجتمع، قد تتجاوز هذه الهيات نصوص القانون مما يشكل تعديا على حقوق الأفراد وحرياتهم.

مبدأ المشروعية بين النص القانوني و الاجتهاد القضائي « دراسة مقارنة »

رابط تحميل الرسالة كاملة اسفل التقديم

________________________________

معلوم أن سلطات الدولة في العصر الحديث قد اتسعت بالمقارنة مع دورها في الماضي حيث كان مقصوراً على الدفاع عن أراضيها من الاعتداء عليها خارجيا وحفظ الأمن الداخلي والفصل في المنازعات عن طريق ولاية القضاء، أما الآن وفي ظل الدولة الحديثة والتي أخذت على عاتقها أن تهيئ لأفرادها مختلف الخدمات من صحة وتعليم وإسكان وتجارة وصناعة، كان عليها أن تنشئ المزيد من الهيئات الإدارية، وأن تمنحها قدراً من السلطات والوسائل التي تعينها على أداء هذه الخدمات وذلك بموجب قوانين حسب مقتضى الحال، ووسط هذه السلطات المتسعة والتي لا غنى عنها لانتظام حياة الأفراد في المجتمع، قد تتجاوز هذه الهيات نصوص القانون مما يشكل تعديا على حقوق الأفراد وحرياتهم.

إن الضمانة الأساسية التي تحمى الأفراد من تعسف الهيئات العامة في ممارسة وظائفها المختلفة هي خضوعها للقواعد القانونية المعدة سلفاً والتي تمثل البناء القانوني في الدولة، ويسمى ذلك اصطلاحا بمبدأ المشروعية الذي أصبح طابعاً مميزاً للدولة الحديثة الخاضعة للقانون حاكماً ومحكومين.

إن خضوع الدولة في جميع سلطاتها والهيئات التابعة لها لمبدأ المشروعية هو أفضل الحلول الممكنة للتوفيق بين ما تتمتع به هيئات الدولة من سلطات لا غنى عنها لانتظام حياة الأفراد في المجتمع وبين المحافظة على حقوقهم وحرياتهم.

غير أن خضوع الدولة للقانون لا يكون رهيناً بإرادتها فحسب، إن شاءت خضعت وإن شاءت أحجمت إنما يتعين إلزامها بهذا الخضوع، ومن هنا نشأت فكرة الرقابة على أعمال الدولة المختلفة وذلك تفادياً لخروجها عن القانون ومقتضى هذا الخضوع يتمثل في مطابقة أعمال الدولة للقواعد القانونية التي يتكون منها النظام القانوني للدولة بتدرجه المعروف، حيث تقف القواعد الدستورية في قمة النظام القانوني بوصفها أداة التعبير عن إرادة السلطة التأسيسية القائمة بوضع الدستور، وهي في الأنظمة الديمقراطية سلطة الشعب في اختيار نظام الحكم، وتلي القواعد الدستورية في المرتبة، القواعد التشريعية الصادرة عن السلطة التشريعية التي تعبر عن الإرادة العامة للأمة في مجال التشريع الذي تسنه، وفي نهاية سلم التدرج تأتي الأعمال الإدارية اللوائح والقرارات الإدارية)، وهي وسيلة الإدارة في الإفصاح عن إرادتها من أجل تنفيذ القوانين وتسيير النشاط الضبطي والمرفقي.

يقصد بمبدأ المشروعية في معناه العام سيادة حكم القانون، ويشمل نطاق مبدأ المشروعية جميع الحكام والمحكومين ولا يقصد بالقانون هنا القانون بمعناه الضيق أي القانون الصادر عن السلطة التشريعية فحسب، بل يقصد به القانون بالمعنى الواسع الذي يشمل كل قواعد القانون الوضعي القائم للدولة . كما يترتب على مخالفة الإدارة العامة لمبدأ المشروعية بطلان التصرف الذي خالفت به القانون وهذا البطلان يتفاوت في جسامته وفي آثاره وفقا لدرجة المخالفة، غير أن القاعدة المسلم بها أن البطلان يجب أن يثبت عن طريق سلطة يمنحها القانون صلاحية النظر في ذلك، لأن الأصل هو مشروعية أعمال الإدارة، وهذه السلطة هي السلطة القضائية.

كما يعرف مبدأ المشروعية على أنه تطابق القواعد القانونية مع المشاعر العادات السلوك والأفكار المنتشرة بشكل عام في مجتمع ما .

ويجب التنبيه على ضرورة التفريق بين المشروعية والشرعية، فقد اختلف الفقه في تعريف الشرعية والمشروعية نظرا لتقاربهما الكبير فهناك من فقهاء القانون العام الذين يرون أن الشرعية والمشروعية لقضان مترادفان، حيث لا فرق بينهما، فهما معا يعنيان ضرورة احترام القواعد القانونية القائمة على نحو تكون جميع التصرفات الصادرة عن السلطات العامة في الدولة متفقة مع أحكام القانون.

هناك اتجاه الثاني يرى أن مصطلح المشروعية أوسع من الشرعية وان المشروعية هي الأساس للشرعية.

اما الاتجاه الثالث وهو الغالب فيميز بين الشرعية والمشروعية. فالشرعية مشتقة من الشرع

بصيغة الفعلية ومعناه موافقة الشرع والمشروعية مشتقة من الشرع بصيغة المفعول به وتفيد محاولة موافقة الشرع والمحاولة قد تصيب وقد تخيبة.

وعلى ذلك فإن المشروعية وترجمتها الفرنسية légalité وهي احترام قواعد القانون القائمة فعلا في المجتمع، وهي في الحقيقة مشروعية وصفية، وبين الشرعية ويقابلها بالفرنسية légitimité وهي فكرة مثالية تحمل في طياتها معنى العدالة وما يجب أن يكون عليه القانون، مفهوما أوسع من مجرد احترام قواعد القانون الوضعي العادلة، وتتضمن قواعد أخرى يستطيع عقل الانسان المستقيم أن يكتشفها، ويجب أن تكون المثل الأعلى الذي يتوخاه المشرع في الدولة ويعمل على تحقيقه إذا أراد

الارتفاع بمستوى ما يصدر من تشريعات. على الرغم من تعدد المصطلحات المستخدمة للمطالبة بخضوع الجميع لأحكام القانون، فإن الكل متفق على أن ذلك يعني في النهاية أن يكون للقانون السلطة العليا، فهو قانون للجميع وعلى الجميع؛ أي إن القانون عندما يصدر فإنما يصدر ليلتزم به الجميع، وعلى الجميع - حكاماً ومحكومين - أن يخضعوا الأحكامه ولا يخرجون عليها.

فمن ناحية المحكومين أو الأفراد، يلتزم جميعهم بالخضوع للقانون وعلى قدم المساواة، ومن دون أي تفرقة بسبب الجنس أو اللون أو العقيدة أو السن أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي، إنه قانون للناس كافة، ويجب أن يطبق على الناس كافة على قدم المساواة. ومن ناحية السلطات تلتزم جميع السلطات بالخضوع لأحكام القانون بما في ذلك السلطة

التشريعية، حيث يجب عليها الالتزام بأحكام الدستور. كما أن القضاء مطالب - وهو أمر طبيعي بحكم وظيفته - باحترام كل القوانين وتطبيقها على المنازعات التي يفصل فيها.

بالنسبة لأهمية الموضوع مبدأ المشروعية بين القانون والقضاء الإداري (دراسة مقارنة"، فيتضح من خلال ما سبق أن مبدأ المشروعية وتنزيله يعتبر امرا ضروريا، فهو يعتبر الملاذ الطبيعي للأفراد والمظلة التي يجب ان تستظل بها كافة السلط في الدولة، وهو الذي يميز بين الدولة الديمقراطية والدولة الديكتاتورية التي يكون فيها الحاكم هو من يضع القوانين ويمكن له الخروج عنها متى شاء.

ويزيد من إلحاح هذه الأهمية ما تتمتع به السلطة العامة في الدولة من قوة تمكنها - ما لم تخضع للقانون - من أن تعتدي على حقوق الأفراد، وتقضي على حرياتهم العامة. ومن غير هذا المبدأ سيكون في مقدور الدولة أن تخرج دائماً - ومن غير أن تتعرض لجزاء ما - عن نطاق القانون، وهو ما ينتهي بها إلى حكم القوة المادية وسياسة التحكم والاستبداد، وفي هذه الحالة لا ضمان لحقوق الأفراد وحرياتهم ولا عاصم لها في مواجهة سلطات الدولة.

وتجدر الإشارة إلى أن القضاء الإداري يؤدي دوراً جوهرياً في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم وذلك عن طريق إلزام السلطة الإدارية باحترام مبدأ المشروعية في جميع تصرفاتها. فهو - بما له من خبرة واسعة عن النشاط الإداري يزن مبررات الإدارة التي تتذرع بها في المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم، حتى إذا ما وجد أن ما استندت إليه من أسباب لا يتفق ومبدأ المشروعية، قام بإلغاء قراراتها حفاظاً على حقوق الأفراد وحرياتهم.

بالحديث عن الاشكالية التي سوف نحاول معالجتها هي كالاتي: أي دور للمشرع وللقضاء الإداري

في تنزيل مبدأ المشروعية؟ ما ضمانات ذلك وما حدودها؟

للإجابة على الإشكالية الرئيسية لابد من تجزئتها إلى أسئلة فرعية تتمثل في الآتي:

ماهي مصادر مبدأ المشروعية؟ وماهي القيمة القانونية لكل من هاته المصادر ضمن الهرم القانوني للدولة؟

هل تعتبر الاحكام القضائية وكذا القوانين غير المكتوبة مصدرا من مصادر مبدأ المشروعية؟

كيف تعامل كل من المشرع والقضاء الإداري مع نظريات موازنة مبدأ المشروعية؟

هل تعد نظريات موازنة مبدأ المشروعية خروجا صريحا على مبدا المشروعية؟

هل كل ما هو قانوني يعد مشروعا ؟

للإجابة عن هذه التساؤلات، سوف نحاول المزج بين المنهج الوصفي التحليلي والمنهج المقارن، بالنسبة للمنهج الوصفي التحليلي سوف نعتمده في تحليل النصوص القانونية وكذا وتحليل موقف كل من المشرع والقاضي في تنزيل مبدأ المشروعية.

اما بالنسبة للمنهج المقارن سوف نعتمده المقارنة كيف تعامل القضاء المقارن والمغربي مع مبدأ المشروعية وكيف تمت موازنة هذا المبدأ وكذا التطرق لمختلف المواقف والآراء الفقهية ومقارنتها. بالنسبة لصعوبات البحث فتتمثل في صعوبة التقيد بمنهجية التوازن الصارمة بين محاور الموضوع وذلك راجع إلى طبيعة الموضوع وخصوصية بعض المحاور والاشكاليات التي تطرحها، والتي تتطلب مزيدا من الشرح والتدقيق، لذلك تم لجوء الى تقسيم أكثر مرونة يراعي خصوصيات كل محور.

بالإضافة الى صعوبة الحصول على بعض الاحكام والقرارات القضائية المتعلقة بموضوع بحثنا بسبب طبيعة هاته الأخيرة وكذلك بسبب الظروف الاستثنائية وباء كرونا التي تمر منها البلاد. وأخيرا فإن خطة البحث المعتمدة تتمثل في تقسيم الموضوع إلى فصلين، فصل أول سوف نحاول من

خلاله تأصيل مبدأ المشروعية وكذا التطرق الى القيمة القانونية لكل مصدر من مصادرها تحت عنوان " تأصيل مبدأ المشروعية قراءة في الأسس والمصادر " أما بالنسبة للفصل الثاني سوف نحاول التطرق فيه إلى نظريات موازنة هذا المبدأ كوسيلة لملاءمته وتحقيق نوع من المرونة في تطبيق النص القانوني بحسب المستجدات القانونية الاقتصادية والاجتماعية وتأثير ذلك على حقوق الأفراد وحرياتهم، والذي سيأخذ عنوان " موازنة مبدأ المشروعية: وسيلة للملاءمة ".

الفصل الأول: تأصيل مبدأ المشروعية: قراءة في الأسس والمصادر

الفصل الثاني: موازنة مبدأ المشروعية وسيلة للملاءمة

__________________

رابط التحميل 

https://drive.google.com/file/d/1CMU-qymfr7MC39b6wv8NSwpBwNqqDm3a/view?usp=drivesdk

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0