الصلح المدني و الصلح التمهيدي و الإشكالات القانونية المتعلقة به

الصلح المدني في نزاعات الشغل، الصلح التمهيدي أمام مفتش الشغل

الصلح المدني و الصلح التمهيدي و الإشكالات القانونية المتعلقة به

المبحث الأول: الإشكالات المتعلقة بقانونية الصلح في نزاعات الشغل.

يعتبر الصلح من الوسائل البديلة للقضاء التي لها دور كبير في الحد من النزاعات دون وصولها إلى القضاء، وذلك عن طريق تنازل كل واحد من الأطراف عن بعض ادعاءاته بهدف ابرام صلح بينهم يوقف النزاع و يحافظ على العلاقات قائمة، و لأهمية الصلح، جعله المشرع وسيلة اساسية لحل النزاعات بين الأجير و المشغل و منعها من الوصول إلى القضاء و ما يرافقه من إهدار للوقت و المال، و الصلح في هذا الإطار نوعان، صلح مدني و صلح تمهيدي، و لخصوصية هذا الأخير و تدخل طرف ثالث فيه الذي هو مفتش الشغل لإجراء محضر بذلك الصلح، ما يطرح سؤال مدى حجية ذلك المحضر، لذا سندرس هذا المبحث في مطلبين، الصلح المدني و الصلح التمهيدي (المطلب الأول)، و حجية محضر الصلح التمهيدي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الصلح المدني و الصلح التمهيدي.

الصلح هو اتفاق ثنائي يبرم عقدا ينهي النزاع أو يتنازل كل طرف على جزء من حقوقه أو ادعاءاته، و يمكن تمييز الصلح عن المصالحة بكون هذه الأخيرة تتم بواسطة شخص ثالث يقرب وجهات نظر الطرفين، لتتنازل عن الإدعاءات أو القرار المتخذ ضد العامل[1] . في إطار نزاعات الشغل، يمكن للأطراف المتمثلة في الأجير و المشغل سلك نوعين من الصلح كطرق بديلة عن القضاء لحل نزاعاتهم بطريقة ودية و الحفاظ على العلاقات، من هذه الطرق الصلح المدني المنصوص عليه في ق.ل.ع (الفقرة الأولى)، و الصلح التمهيدي المنصوص عليه في مدونة الشغل (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: اتفاق الصلح المدني المبرم بين المشغل و الأجير.

تم التطرق للصلح في قانون الإلتزامات و العقود من الفصول 1098 إلى 1116، و يمكن أن يتم اللجوء إليه من أجل تسوية نزاعات الشغل الفردية، بحيث نص الفصل 1098 من ق.ل.ع على أن الصلح هو عقد يبرم بين طرفين من أجل حل نزاع قائم أو يتوقيان قيامه وذلك عن طريق التنازل المتبادل عن الإدعاءات و الحقوق، إجراءات الصلح هاته تقتضي وجود نزاع قائم أو محتمل، بالإضافة إلى توفر النية و إرادة حسم النزاع[2]، و بهذا فالأجير و المشغل قد يلجؤون إلى هذا النوع من الصلح قصد تسوية النزاع القائم بينهما دون اللجوء إلى القضاء[3].

و يجوز للطرفان أن يتصالحا حسما للنزاع و لكنهما يتفقان على أن يستصدر من المحكمة حكما بما تصالحا عليه، فيوجهان الدعوى على هذا الأساس حتى يصدر من المحكمة الحكم المرغوب فيه، فيكون هذا صلحا بالرغم من صدور الحكم[4] .

يتميز عقد الشغل باختلال التوازن فيه، بطرف ضعيف يمثله الأجير في مقابل طرف قوي يمثل المشغل، هذا ما يطرح إشكال في هذا النوع من الصلح، حيث أنه صلح لابد فيه من إرادة الأطراف التي غالبا ما لا تكون بسبب العلاقة المتوترة بين المشغل و الأجير، و حتى إن تم اللجوء للصلح المدني، فغالبا ما يكون من قبل المشغل على حساب الأجير الذي يكون في وضع لا يسمح له بالتفاوض نظرا لمركزه القانوني الضعيف[5].

و باعتبار أن الصلح هو تنازل كل طرف عن بعض ادعاءاته، فمن الناحية العملية، أبان الواقع عن عدم اقتصار المفاوضة الرامية إلى تنازل كل طرف عن جزء مما يدعيه على وثيقة الصلح، بل يمكن أن تكون بالنسبة للتوصيل عن تصفية كل حساب كذلك، لأن فرضية النزاع قائمة في الحالتين، و التشبث بعقد الصلح لا يمكن أن يفهم منه إلا الهروب من إمكانية الطعن المخولة في التوصيل عن تصفية كل حساب، و ذلك بسبب آجال السقوط الذي لا يبعث الإستقرار و الطمأنينة بالنسبة للمشغل مخافة جره إلى المحاكم، فيلجأ إلى وسيلة إبرام مدنية صرفة تعمل على تخطي الحاجز الذي وضعه المشرع عندما منح مهلة للطعن في التوصيل عن تصفية كل حساب[6].

تنص المادة 73 من مدونة الشغل على أنه يعتبر باطلا كل إبراء أو صلح، طبقا للفصل 1098 من ق.ل.ع، يتنازل فيه الأجير عن أي أداء وجب لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل إنهائه، و بالتالي فإن أي صلح يتضمن تنازلا من قبل الأجير تجاه مشغله بالتصور المدني، يعتبر صلحا غير جائز و غير نافذ، لأن المشرع في المادة 73 و بشكل صريح بين عدم مشروعية و بطلان الصلح المدني المنصوص عليه في الفصل 1098 من ق.ل.ع، لأنه يتضمن إخلالا بحقوق الأجير و دعما لمركز المشغل الذي قد يعفي من التزامات وجبت عليه[7] .

و بالتالي فإن الصلح كما نص عليه قانون الإلتزامات و العقود هو صلح ملزم للجانبين، يتم بإرادة الأطراف، يتم فيه التنازل الجزئي عن بعض الإدعاءات من الطرفين للوصول إلى اتفاق و إيقاف النزاع القائم بينهم أو المحتمل أن يكون بينهم، و هو عقد لا يمكن التراجع عنه و لو باتفاق الطرفين كما أكد عليه الفصل 1106 من ق.ل.ع، بالإضافة أنه لا يمكن التراجع عن هذا الصلح ولو بسبب الغلط في القانون حسب الفصل 1112 من ق.ل.ع، لأن الصلح في هذا الإطار يحسم النزاع.

الفقرة الثانية: الصلح التمهيدي أمام مفتش الشغل اجباري أم اختياري.

نصت مدونة الشغل بشكل صريح في المادة 532 على أن من مهام مفتش الشغل إجراء محاولات التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية، و تكون لمحاضر التصالح الموقعة من طرفي النزاع و بعطف من مفتش الشغل قوة الإبراء في حدود المبالغ المبينة فيها[8] .

تتميز مسطرة الصلح التمهيدي في مدوة الشغل بمجموعة من الخصائص أهمها أنها مسطرة إدارية و غير قضائية، مسطرة مجانية و اختيارية، مسطرة مخولة للأجير و المشغل ولكل منهما سلكها، بالإضافة إلى أنها مسطرة تضمن مشاركة طرفا النزاع لإيجاد الحلول و التسوية، كما أنها مسطرة تحافظ على خصوصيات الأفراد و سرية.

و الصلح التمهيدي في نزاعات الشغل هو مسطرة اختيارية تتوقف على إرادة الأجير ومدى رغبته في سلكها، هذا بدليل أن المشرع في الفقرة الثالثة من المادة 41 من م.ش استعمل مصطلح 'يمكن للأجير'[9]، و هو مصطلح جاء صريحا بالطابع الإختياري لمسطرة الصلح التمهيدي، عكس مثلا لو قال المشرع 'يجب على الأجير'، فهنا يمكن القول عليها أنها مسطرة إلزامية لكن الواقع أنها أختيارية بصريح المادة 41 من م.ش.

و في حالة نجاح مسطرة الصلح التمهيدي بين الأجير و المشغل، يكون المفتش أمام تحرير نوعين من المحاضر، أولهما محضر الصلح طبقا للمادة 532 من م.ش، و هو وثيقة لا تؤدي إلى انقضاء الحقوق و الإدعاءات التي كانت محلا للنزاع بصفة نهائية، بل ذات قوة إبرائية في حدود المبالغ المبينة فيها، و المحضر الثاني هو محضر الإتفاق المنجز في إطارالمادة 41 من م.ش، و هو محضر لا يقبل الطعن فيه أمام المحكمة إلا بالزور، بعد تحقق أربعة شروط هي: توقيع الأجير، توقيع المشغل، المصادقة على صحة توقيعهما من طرف الجهة المختصة، و التوقيع بالعطف من طرف مفتش الشغل.

و قد نصت المادة 41 من مدونة الشغل على أن الإتفاق الذي يتم التوصل إليه في إطار الصلح التمهيدي غير قابل للطعن أمام المحكمة، و هذا يؤدي إلى عدم الإنسجام بين المادة 532 و 41 من مدونة الشغل مما يفسح المجال لخلق تضارب في الأحكام حول إعمال هذا المحضر أو استبعاده في حدود المبالغ التي تضمنها، هذا الغموض بين المادتين المذكورتين، جعل بعض الفقهاء يقولون إنه أمام نوع من التناقض الظاهري في بعض الأراء التي تقول 'كيف سيكون الإتفاق بأن الصلح التمهيدي غير قابل للطعن أمام المحاكم و في ذات الوقت له قوة الإبراء في حدود المبالغ المبينة فيه فقط، وكأنه توصيل عن تصفية كل حساب'[10].

و كجواب على هذا الإشكال، ذهب بعض الفقه إلى أن الخلاف في الفقرة الرابعة من المادة 532 من مدونة الشغل هو أن صحة التوقيع من طرف الجهة المختصة و التوقيع بالعطف من طرف العون المكلف بالتفتيش بالنسبة للمادة 41 يجعل الإتفاق فيه نهائيا وغير قابل لأي طعن، في حين أن الإقتصار على التصالح بنائا على الفقرة الرابعة من المادة 532 يجعل الإتفاق محصورا في حدود المبالغ المحددة فيه[11].

و كجواب أخر على الإشكال الذي يطرحه الصلح التمهيدي بين المادة 41 و المادة 532 من م.ش، يمكن القول أن الصلح التمهيدي في المادة 532 هو القاعدة العامة، و الإستثناء من القاعدة العامة هو ما جاء في المادة 41، الشيئ الذي يترتب هن هذه النتيجة، هو أنه دائما عندما يتعلق الأمر بالصلح التمهيدي يتم تحرير محضر بهذا الأمر من طرف مفتش الشغل، و استثناء و في حالة وجود تعويض عن الفصل التعسفي يتم تحرير توصيل والتوقيع عليه من قبل المشغل و الأجير، هذا التوصيل يجب أن يكون مرفقا لمحضر الصلح، فإذا كان الأول يضم فقط مبلغ التعويض، فإن الثاني يضم باقي الحيثيات المتعلقة باتفاق الصلح، و هذا التوصيل هو الذي لا يقبل الطعن أمام المحاكم[12].

 


[1]  أحمد حميوي، المصالحة في نزاعات الشغل بالمغرب، مجلة قانونك ، الموسم الثاني، العدد التاسع، شتنبر - أكتوبر، 2021، ص 36.

[2] صلاح الدين السويلي، الصلح كوسييلة لحل نزاعات الشغل الفردية، بحث نهاية تدريب الملحقين القضائيين، المعهد العالي للقضاء، الرباط، 2009/2011، ص 9.

[3]  كمال عبدلاوي أندلسي، دور الصلح في حل نزاعات الشغل الفردية بين القواعد العامة ومدونة الشغل، مجلة منازعات الأعمال، عدد 8، دجنبر 2015، ص 2.

[4]  صلاح الدين السويلي، م.س، ص 10.

[5]  نفس المرجع السابق.

[6]  نفس المرجع السابق ، ص 11.

[7] صلاح الدين السويلي، م.س، ص 16

[8]  إبراهيم قضا، تنظيم الصلح في منازعات الشغل الفردية، مجلة المرافعة، عدد 18 و 19، نونبر 2008، ص 167.

[9]  محمد المكي، الصلح التمهيدي في نزاعات الشغل الفردية، مجلة القانون المغربي، عدد 40، 2019، ص 201.

[10]  إبراهيم قضا، م.س، ص 167.

[11]  نفس المرجع السابق، ص 168.

[12]  محمد المكي، م.س، 2019، ص 211.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0