المتدخلون في إعداد السياسات العمومية بالمغرب

مجموعة مواضيع في القانون العام منتقات للتحضير للبحوث و المقالات و المباريات القانونية

المتدخلون في إعداد السياسات العمومية بالمغرب

مقدمة

 

 ترتبط السياسات العمومية بمجمل القرارات والبرامج في المجالات التي تهم الحياة داخل المجتمع والتي تنفذها الأجهزة الحكومية للدولة، وهي تتم عبر اعتماد أسلوب التخطيط ووضع حلول للمشاكل المطروحة، مع رصد الإمكانيات وتوفير الشروط اللازمة لتمويلها وبلورتها ميدانيا وتقييم مسارها ونتائجها، وتنطوي عملية صنع السياسات العمومية على قدر كبير من الصعوبة والتعقيد، وهي تختلف في وسائلها وأهدافها ونجاعتها من دولة إلى أخرى، وما إذا كانت موحدة أو مركبة، ومن نظام سياسي إلى آخر وتبعا لانفتاح صانعي القرار على فعاليات غير حكومية في بلورتها أم لا[1].

إن دراسة مفهوم السياسات العمومية يتطلب التطرق إلى مختلف مدارس تحليل السياسات العمومية، حيث أن اختلاف المدارس والآراء يشكل عائقا من أجل تحديد مفهوم محدد لهذه السياسات، ومن أهم هذه المدارس، نجد أن النظام البيروقراطي يعتبر أن السياسات العمومية تكون حصيلة الوحدات الإدارية وتدخل كل مؤسسات الدولة ونتيجة لسلسلة من الإجراءات في إطار وحدات متشابكة.

والبيروقراطية كشكل من أشكال التنظيمات الاجتماعية القائم على التسلسل الإداري ونظام الحقوق والواجبات ومبدأ تقسيم العمل والرسمية الشديدة وإبعاد العواطف والعلاقات الشخصية.

وبالتالي فالسياسات العمومية عند التيار البيروقراطي تلك النابعة من أجهزة رسمية للدولة لتعبر عن قوتها بشكل عقلاني لفائدة المجتمع[2].

وتحدث "ماكس فيبر" عن الأنساق الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر في رسم السياسات العمومية التي يجب أن تكون محددة ووفق برامج محددة مسبقا[3] .

علاوة على ما سلف نجد أن سوسيولوجيا التنظيمات حددت مفهوم السياسات العمومية، بحيث حسب هذه المدرسة، تعتبر أن الأداء العمومي مرتبط بشكل كبير بمدى قدرة التنظيمات على تلبية الحاجات العامة للأفراد في مختلف المجالات ورهين بمدى تطور البعد المؤسساتي، فإن سوسيولوجيا التنظيمات تعتبر أن السياسة العامة عدة أفعال تحمل جوابا عن وضعية ما في إطار مؤسساتي لحل مشكلة ما لا تتعلق بإنشاء الدولة بل بما تفعله عير مؤسساتها وكيف يجب أن تفعله[4] .

والأداء التنظيمي مرتبط بتفاعل باقي المؤسسات الأخرى (الحكومة، الجماعات الترابية، المجتمع المدني.

.

.

)، إضافة إلى ذلك نجد نظرية التدبير العمومي التي تؤكد بأن النجاعة والفعالية من المحددات الأساسية لمفهوم السياسات العمومية، وترتكز على مبدأ التخطيط والتسويق و الأداء العمومي.

 فيما يخص الأولى أي النجاعة في الأداء، فحسب هذه النظرية تسعى إلى تحقيق الأهداف المسطرة عبر سياسة عامة بجودة عالية وأقل تكلفة، أما مبدأ الفعالية يحيل إلى إمكانية تحقيق الأهداف في مدة محددة، وبالتالي تم الانتقال من النمط البيروقراطي لتدبير السياسات العمومية إلى منطق المردودية والتخطيط والجودة.

و في هذا الإطار  فإن التدبير العمومي جاء بعدة مناهج حديثة في التدبير عبر وضع مخططات وبرامج وسياسات عمومية تعالج المشاكل (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والبيئية)، عبر اعتماد التخطيط التشاركي والاستراتيجي وتحديد أهداف وتنفيذها بفعالية وكفاءة واعتماد آليات التسويق المعتمدة في القطاع الخاص وذلك من أجل تجويد الأداء العمومي.

وتكتسي دراستنا لموضوع السياسات العمومية الترابية والقرار المحلي أهمية بالغة نظرا لكون هذا الموضوع يهدف أساسا إلى معرفة دور الفاعل الترابي في إعداد السياسات العمومية على المستوى المحلي و إيجاد مجموعة من الحلول لمختلف المشاكل وذلك عبر الاعتماد على مقاربة تشاركية بين مختلف المتدخلين.

كما أنه يتطلب الأمر تحديد المفاهيم الأساسية لهذا الموضوع.

السياسات العمومية الترابية: هي سياسة تهدف إلى تحقيق توزيع أفضل للسكان والأنشطة فوق مجال معين من خلال سياسة قطاعية ومجالية للتخفيف من البيانات وتحقيق نوع من التوازن المجالي[5] ، وذلك من خلال تحديد أهم المشاكل المطروحة والاعتماد على التخطيط للوصول إلى حلول ذات النجاعة والفعالية.

القرار المحلي: ليس هناك تعريف محدد لهذا المفهوم، ولكن يقود مصطلح القرار إلى معنى الإختيار الذي يؤدي إلى فعل معين، فهو عملية حاسمة في إنتاج هذا الفعل، والسيرورة التي يتم من خلالها إعتماد هذا الخيار الناتج عنه مباشرة ذلك الفعل الحاسم، والتي هي ما يصطلح عليه صناعة القرار،[6] وبدمجه مع المحلي، يمكن تعريفه بأنه مجموعة من القرارات التي تتخذ على مستوى السياسة العمومية الترابية.

ويبقى السؤال المطروح من يصنع القرار المحلي؟

ومن أجل التعمق أكثر في هذا الموضوع لابد من تحديد الإشكالية والتي جاءت على شكل فكرة السياسات العمومية الترابية بين: الإكراهات المرتبطة بالإعداد والتنفيذ وسبل تجاوز هذه المعيقات.

وعن هذه الإشكالية تتفرع مجموعة من الأسئلة:

  • ماذا يقصد بالسياسات العمومية الترابية؟
  • من هم المتدخلون في إعداد السياسات العمومية الترابية؟
  • ماهي معيقات إعداد وتنفيذ السياسات العمومية الترابية؟
  • ماهي سبل تجاوز؟

وللإجابة عن هذه الإشكالية سنقسم الموضوع وفق التصميم التالي:

المطلب الأول: ماهية السياسات العمومية الترابية

الفقرة الأولى: مفهوم السياسات العمومية الترابية

الفقرة الثانية: المتدخلون في إعداد السياسات العمومية الترابية

المطلب الثاني: الإشكالات المرتبطة بإعداد وتنفيذ السياسات العمومية الترابية وسبل تجاوزها.

الفقرة الأولى: معيقات إعداد وتنفيذ السياسات العمومية الترابية

الفقرة الثاني: سبل تجاوز هذه المعيقات.

 

المطلب الأول: ماهية السياسات العمومية.

 

سنتطرق في هذا المطلب إلى مفهوم السياسات العمومية الترابية( الفقرة الأولى)، ثم المتدخلون في إعداد السياسات العمومية الترابية ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم السياسات العمومية الترابية.

 كما تمت الإشارة إليه سابقا، إنه وبالرجوع للرسم الذي ساقه ماكس فيبر بخصوص السياسات العمومية[7]، الذي أكد على أنه يجب أن تكون هذه الأخيرة مكتوبة ومحددة وفق برامج محددة مسبقا وتراتبية[8].

يلاحظ من خلال هذا الرسم لماكس فيبر بخصوص السياسات العمومية باعتبارها مجموعة من البرامج التي تتداخل فيما بينها لنكون أمام سياسات عمومية، وللحديث عن أي سياسة عمومية لابد من توفر مجموعة من العناصر تكون هي المحدد والداعي للاعتماد سياسة عمومية وتتمثل هذه العناصر في، النشاطات على اعتبار أن أي سياسة عمومية تستدعي القيام بأنشطة وترتيبات العمل سواء على مستوى الدولة أو بالنسبة للجماعات الترابية، و كذلك من العناصر نجد الفاعل العمومي، الذي يحيل إلى مبدأ التشاركية في اتخاذ القرار، على اعتبار أنه يلعب دورا مهما في مجال إعداد السياسات العمومية سواء بشكل عام أو على المستوى الترابي، كذلك من بين العناصر وجود مشاكل، بمعنى أن السياسات العمومية هي عبارة عن مجموعة من المشاكل التي تعاني منها جماعة معينة أو قطاع معين تستدعي تدخل من قبل الجهات المعنية سواء مركزية أو ترابية لإيجاد حلول لها.

إضافة إلى هذه العناصر هناك عنصر آخر لا يقل أهمية عن باقي العناصر ويتمثل في الحلول، بمعنى أن السياسات العمومية تشمل على قرارات لتنفيذ برامج عامة بغرض تحقيق أهداف اجتماعية وإيجاد حلول لمشاكل جماعية.

انطلاقا مما سبق يمكن القول أن هذه العناصر المجتمعة هي التي من خلالها يتم التفكير في إعداد سياسات عمومية سواء على المستوى المركزي أو بالنسبة للمجال الترابي للجماعات الترابية.

و بالعودة للرسم الذي ساقه ماكس فيبر بخصوص السياسات العمومية نلاحظ على أن هذا الرسم تضمن مصطلح البرامج مما يفيد أن السياسات العمومية هي عبارة عن مجموع البرامج وهذه البرامج في مجموعها تشكل لنا سياسات عمومية.

من هذا التفسير الذي أعطاه ماكس فيبر لمفهوم السياسات العمومية يمكن التساؤل حول معنى السياسات العمومية الترابية؟

فمن خلال القوانين التنظيمية نلاحظ على أنها لم تتضمن مصطلح السياسات العمومية وإنما اكتفت ببرامج التنمية مثل برنامج التنمية الجهوية وبرنامج تنمية العمالة والإقليم وبرنامج تنمية الجماعات، وإذا ما افترضنا أن مصطلح البرامج كما جاء في تفسير ماكس فيبر لمفهوم السياسات العمومية، فإن الأمر يستدعي منا التساؤل.

كيف يمكن أن نحدد السياسات العمومية الترابية؟

يمكن تعريف السياسات العمومية الترابية أو المحلية باعتبارها مجموع الأعمال والنشاطات التي تقوم بها السلطات الترابية بغاية تقديم حلول لمشاكل مرتبطة بالنطاق الترابي التابع لها، أي ما يصدر عن الوحدات التي توجد في درجة أدنى من الدولة وهذه الوحدات هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، استنادا إلى ما تتمتع به من اختصاصات مخولة لها دستوريا وقانونيا.

 بمعنى آخر يمكن أن نفهم السياسات العمومية الترابية باعتبارها نشاطا عموميا يتضمن مجموعة من القرارات المتخذة من قبل السلطات التي توجد في درجة أدنى من الدولة بغرض الوصول إلى تحقيق هدف مشترك في مجال ترابي محدد[9]، إن هذا المعنى الذي نستخلصه من خلال المبدأ الجديد (الترابية) عوض (المحلي)، على اعتبار أن مفهوم الترابي هو مفهوم يشكل قطيعته مع المفاهيم مثل الفعل العمومي المحلي السياسات العمومية، المحلية الإدارة المحلية، التنمية المحلية، والذي يقتصر فقط على مجال التسيير دون التدبير.

فاليوم أصبح الحديث عن ترابية الفعل العمومي، بمعنى أن هذا الانتقال من المحلي إلى الترابي لم يكن بمحض الصدفة وإنما جاء ليعطي بعدا جديدا للفعل العمومي يتمثل أساسا في عناصر الفعالية، القرب، والتشاركية في الفعل والانجاز، هذا إضافة إلى كون التراب أصبح هو العنصر أو المجال المحدد للمشاكل العامة وليس جهاز الدولة، الشيء الذي يفهم منه أن المستوى الترابي أصبح اليوم أو من المفروض فيه التدخل عبر سياسات عمومية ترابية وإيجاد حلول للمشاكل على المستوى الترابي الأمر الذي يستدعي منا التساؤل حول مختلف الفاعلين أو المتدخلين في مجال إعداد سياسات عمومية ترابية؟، وهل نحن بصدد فاعل ترابي له القدرة والإمكانية على إعداد وتنفيذ سياسات عمومية ترابية أو بالأحرى برامج في مجاله الترابي أم أن الفاعل الترابي لا يغدو أن يكون سوى مساهم في عملية إعداد السياسات العمومية الترابية وتنفيذها في ظل الانسجام مع الإستراتيجية العامة للدولة وخصوصا وأن الفصل 137 من الدستور ينص على أنه: " تساهم الجهات والجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية، من خلال ممثليها في مجلس المستشارين".

الفقرة الثانية: المتدخلون في إعداد وتنفيذ السياسات العمومية الترابية.

إن إعداد السياسات العمومية الترابية يتطلب اعتماد المنهج أو المقاربة التشاركية في إعداده، أي أن الأمر يتعلق بمساهمة مختلف الفاعلين على المستوى المحلي، ونعني هنا الجماعات الترابية، السلطات المحلية، فعالية المجتمع المدني.

أولا: الجماعات الترابية فاعل أساسي في بلورة السياسات العمومية الترابية.

 

تعتبر الجماعات الترابية فاعلا رئيسيا في صناعة القرار الترابي فاستجلاء مضامين النظام القانوني للجماعات الترابية، يبرز تواجد مجموعة من المؤسسات الترابية المنشطة للعمل الترابي، لذا فإن الإطار التنظيمي يمثل أداة من أدوات الممارسة الترابية[10].

حينما نتحدث عن الجماعات الترابية باعتبارها الفاعل الترابي الأساسي في إعداد السياسات العمومية، حيث نجد أن القوانين التنظيمية لهذه الجماعات لم تتضمن ضمن مقتضياتها ما يشير إلى السياسات العمومية الترابية بشكل مباشر وإنما نجد فقط مجموعة من البرامج "برنامج التنمية الجهوية " بالنسبة للجهات وذلك حسب ما جاء في المادة 83 من القانون التنظيمي111.

14 والذي ينبغي أن يكون في انسجام مع التوجهات الإستراتيجية للدولة، وكذلك هناك برنامج عمل الجماعة الذي يجب أن يكون في انسجام مع توجهات برنامج التنمية الجهوية، إضافة إلى ذلك هناك برنامج تنمية العمالة أو الإقليم، غير أن هذا البرنامج يقوم بمهامها المرتبطة بالنهوض بالتنمية الاجتماعية في الوسط القروي زيادة على محاربة الإقصاء والهشاشة في مختلف القطاعات الاجتماعية[11] .

إن الجماعات الترابية من خلال برامجها التي تضعها المجالس تحت رئيسها والتي تكون منذ انتداب المجلس، أن تحدد خلال الست سنوات الأعمال المراد تحقيقها داخل النطاق الترابي، اعتبار لنوعيتها وتوطينها وكلفتها، حيث أن هذه المسألة تتطلب من الفاعل الترابي قبل وضع هذه البرامج أن يقوم بتشخيص حقيقي لحاجيات الجماعات الترابية وتحديد بدقة لإشكالات التي تعاني منها الساكنة[12].

وبالتالي فإن الفاعل الترابي بموجب مجموعة من الاختصاصات الممنوحة له، يتوفر على ترسانة قانونية تمكنه من تحقيق سياسات عمومية ترتبط أساسا بكل المجالات التي لها ارتباط بالتنمية سواء على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، فعلى المستوى الاقتصادي فإن مسؤوليتها تتجلى في الحفاظ على ممتلكات الجماعة وجعل تلك الممتلكات آلية لتحقيق المردودية، وترشيد مواردها وصرفها في مشاريع تنموية تساعد على تحقيق التنمية.

ثانيا: السلطة المحلية فاعل أساسي في بلورة السياسات العمومية الترابية.

إلى جانب الجماعات الترابية نجد كذلك أن السلطات المحلية تلعب دورا أساسيا في إعداد السياسات العمومية الترابية، وتتجلى هذه المساهمة في كون أن جل مقررات مجالس الجماعات الترابية لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد التأشيرة عليها من طرف السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية بالنسبة للجهات وذلك حسب ما جاء في المادة 115 من القانون التنظيمي للجهات.

 ومن اهم هذه المقررات:

  • المقرر المتعلق ببرنامج التنمية الجهوية
  • المقرر المتعلق بالميزانية
  • المقررات المتعلقة بإحداث المرافق والتجهيزات العمومية

نفس المقتضيات المطبقة على الجهات، تطبق كذلك على الجماعات الأخرى.

ثالثا: المجتمع المدني ودوره في صياغة السياسات العمومية الترابية

شكلت أزمة الديمقراطية التمثيلية وعدم قدراتها على تحقيق الأهداف وعدم الإشراك المباشر للمواطن في التسيير، أحد الأسباب الأساسية في ظهور الديمقراطية التشاركية ذلك أن الرغبة في تحقيق الفعالية في مسلسل اتخاذ القرار وكذا تحقيق النتائج المرجوة منه[13].

وهكذا تفيد المقاربة التشاركية أنها عملية تواصلية أفقية مع المواطن بطريقة تضمن المشاركة في مسلسل اتخاذ القرار عبر آلية التواصل المستمر بهدف تحسين وضعيتهم المجتمعية من خلال عدد من الوسائل وآليات تحديد الأدوار والمسؤوليات لكل من المتدخلين والمستهدفين في تنظيم المشاريع والبرامج.

ونجد أن العديد من الفصول الدستورية ركزت على مبدأ الديموقراطية التشاركية في صناعة القرار، ونعني هنا الفصل 6 و12 و13 وكذلك الفصل 139، وعليه فالفصل 6 ينص على أن تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنين والمساواة بينهم ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهنا يبرز دور الدولة الأساسي في إتاحة الفرصة لجميع فئات المجتمع لكي يعبر عن رغباتها وأولوياتها وحاجاتها ، لذا يجب على الدولة والسلطات العمومية، أن تتوفر على إرادة للذهاب إلى أبعد من مجرد المشاركة، بل اشتراك في اتخاذ القرار وهذا لن يتأتى إلا عبر توفر الآليات القانونية والمؤسساتية لذلك فإن الدستور عمل على التنصيص على مجموعة الهيئات التي تضمن مشاركة المواطنين في إنتاج السياسات العمومية وعموما سيساعد على تكوين قوة اقتراحية من طرف الساكنة وينمي لديهم إحساس بالمسؤولية والانماء والقضاء على قيم السلبية والانعزالية[14].

غير أن الإشراك في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية لا يقتصر على الأفراد، بل يتجاوزه إلى الجمعيات والمنظمات الغير الحكومية وهذا ما نص عليه الفصل 12 "تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات الغير الحكومية في إطار الديموقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذا في تفعيلها وتقييمها.

إن مضمون هذا الفصل يعطي الحق لفاعلين غير التقليديين في إنتاج القرارات وتفعيلها وتقييمها ، وهنا يتم الانتقال من نظام عمودي يكون فيه المجمع مجرد مستقبل ومنفذ لمختلف السياسات التي تأتي من الأعلى إلى نظام أكثر انفتاحا يتعامل مع واقع متغير ونخب قادرة على تسيير أمورها"

فالجمعيات في تصورها الفلسفي تعبير عن تجميع لإرادات فردية يهدف الدفاع عن مصالح تكون شخصية أو جماعية، وبهذا تكون أكثر التصاقا بالمواطن وهمومه خاصة مع ضعف التأطير من طرف مؤسسات الدولة أو الأحزاب حيث تبقى الجمعيات المنتدى الوحيد التي تتلاقح فيه الأفكار والاقتراحات التبعية فإشراك الجمعيات في قرار تسيير الشأن العام يجعل السكان يشاركون في تنمية الموارد البشرية وتحسين النتائج المنتظرة.

كما تسهل عملية تحديد انشغالات السكان ويمكن ان تلعب دورا مهما وأساسيا في تشخيص الحاجات وتهيئ المشاريع والنتيجة الحتمية لذلك هو انعاش مشاركة المواطنين في الحياة العامة مما يعني إعادة النظر في الاحتكار المزعوم للتمثيلية من طرف المنتخبين وتشجيع شكل جديد من العلاقة بين الممثلين والمواطنين[15] كما قال: "ألكسيس ذي توكفيل" أن التدبير الديموقراطي لا تكمن فيما يقوم به بل ما يدفع إلى القيام به، أي أن العمل التشاركي يدفع الجميع إلى الانخراط في التنمية الفعلية من أجل تحسين إطار العيش وتحقيق وجود أفضل.

نجد بالإضافة إلى الفصول السالفة الذكر الفصل 139: "تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات  والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية"

وأخذا بعين الإعتبار لهذه الأهمية الدستورية الآليات التشاركية، فإن المجالس المنتخبة مطالبة بفتح قنوات النقاش والتواصل أمام المواطنين وفعاليات المجتمع المدني، وذلك قبل اتخاذ القرارات التي تهم برامج التنمية وعليه فقد عمدت القوانين التنظيم على تخصيص فصول لإيداع العرائض وكيفية وضعها.

عموما إن الآثار المترتبة عن التدبير التشاركي تتحدد في الرفع من مستوى الوعي بالمسؤولية وتحرير إيداعه المشارك وتطوير إنتاجية وضمان الانتماء إيداعه المشارك وتطوير إنتاجية وضمان الانتماء والإخلاص وشفافية أكبر من طرف المسيرين، كما ترفع المقاربة التشاركية من جودة القرارات نتيجة تبادل المعلومات وتواصل محسن وتصور موحد وقيم (العمل المحلي) مشتركة وكذا التزام الفاعلين وتدبير متمحور حول النتائج، اما بالنسبة للأهداف التدبير التشاركي تتمثل في اتخاذ أفضل القرارات وتحسين تناسق وترابط فرق العمل وتعبئة وإثارة التزام ومسؤولية الموظفين والفاعلين وتحسين اداء المؤسسات وتطوير القيم المؤسسة للتدبير التشاركي[16].

 


[1] - لكريني ادريس، تقديم لكتاب مفاهيم أساسية في السياسات العمومية لمحسن الندوي، مطبعة الخليج العربي، تطوان طبعة الأولى، 2018، ص3.

[2] - العقراوي هشام، مدارس تحليل السياسات العمومية، مجلة دفاتر إدارية، العدد 2، مارس 2017، ص16.

[3] - حسن حديث، الاتجاهات النظرية التقليدية لدراسة التنظيمات الاجتماعية م.

د، العدد 3 و4، 2011، ص331-332، اورده العقراوي هشام.

[4] -العقراوي هشام، مرجع سابق، ص18

[5] - أهيري محمد، صناعة القرار العمومي الترابي وفعالية السياسات العمومية المحلية، رسالة لنيل دبلوم الماستر قانون عام، كلية الحقوق السويسي 2016-2017، ص2.

[6]  - سطي عبد الإله، صناعة القرار السياسي، سلسة دراسات و أبحاث، دار النشر المعرف، السنة 2017، ص 18.

[7] - العقراوي هشام، مدارس تحليل السياسات العمومية، مجلة دفاتر إدارية، العدد 2، مارس 2017  ص23.

[8] - حسن صديق، الاتجاهات النظرية التقليدية لدراسة التنظيمات الاجتماعية، العدد و4، 2011، ص331- 332.

[9] - الحنودي علي، الدولة وتدبير السياسات العمومية الترابية، عدد مزدوج 134-135، ماي غشت 2017، ص  186.

[10] - أهيري محمد، صناعة القرار العمومي الترابي وفعالية السياسات العمومية الترابية، رسالة لنيل دبلوم الماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سلا 2016-2017، ص11.

[11] - الحنودي علي، الدولة وتدبير السياسات العمومية الترابية، المجلة المغربية الإدارة المحلية والتنمية عدد 134- 135، 2017، ص182.

[12] - الحنودي علي، مرجع سابق، ص183.

[13] - عبد الغني الشاوي، الديموقراطية التشاركية في التسيير المحلي، المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، ع12، 2017، ص117.

[14] - محمد الأشهب، مذهب التواصل في الفلسفة النقدية "ليوزغن هابرماس" أطروحة الدكتوراه، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس، 2007، ص34، أورده عبد الغني الشاوي.

[15] - عبد الغني الشاوي، مرجع سابق، ص186.

[16] - بكور عبد اللطيف، حسنة عجي، الآليات الدستورية والقانونية للتدبير التشاركي للشأن العام المحلي، المجلة المغربية الإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 134-135، ماي – غشت، 2017، ص26.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0