القدر عند الأشاعرة

التعريف بعلم الكلام وأثره على الأمة الإسلامية, تعريف الأشاعرة , التعريف بالإمام أبي الحسن الأشعري, تعريف أهل السنة والجماعة, التوحيد عند الأشاعرة, التوحيد عند أهل السنة والجماعة, القرآن عند الأشاعرة, القرآن عند أهل السنة والجماعة, الإيمان عند الأشاعرة, الإيمان عند أهل السنة والجماعة, القدر عند الأشاعرة, القدر عند أهل السنة والجماعة, مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في القدر, عقيدة الإمام أبي بكر محمد الحسين الأجري في القدر, عقيدة الإمام أبي جعفر الطحاوي في القدر,

القدر عند الأشاعرة
إن مسألة القدر من المسائل الكبرى التي شغلت أذهان الفلاسفة والمتكلمين وأتباع الطوائف من أهل الملل وغيرهم، خاض فيها جميع الناس على مر العصور والأزمان.

وقد تكلم فيها الجميع، واختلفوا فها مثل اختلافهم في أبواب العقيدة.

والأقوال في القدر بإجمال لم تتغير قبل الإسلام أو بعده، فهي ترجع دائما إلى ثلاثة أقوال: ـ الأول: قول أهل الجبر، الذين يقولون إن الإنسان مجبور على أفعاله وليس له إرادة ولا قدرة، ويمثل هذا في الفرق الإسلامية مذهب الجهمية ومن وافقهم، وهو ما يسمى في العصور المتأخرة بالمذهب الحتمي.

ـ الثاني: وهو قول أهل حرية الإرادة، واستقلال الإنسان في أفعاله عن خلقه، وأن الإنسان له إرادة مستقلة عن إرادة الله.

كما أنه هو الذي يخلق أفعاله، ويمثل هذا المذهب المعتزلة (القدرية) ومن وافقهم.

وهم بهذا القول يكونوا قد أثبتوا في الكون خالقين، وجعلوا مع الله شريكا في الخلق ـ والعياذ بالله.

ـ الثالث: وهو قول وسط بين هؤلاء وهؤلاء، يثبتون القدر، وأن الله خالق كل شيء، ويقولون أيضا إن للإنسان إرادة ومشيئة ولكنها خاضعة لمشيئة الله، كما أن له قدرة يفعل بها فعله، لكنه هو وأفعاله مخلوق لله تعالى.

وهذا مذهب السلف وأتباع الأنبياء.

وبين هذه الطوائف الثلاث قد تنشأ فرق أخرى، تميل في بعض المسائل إلى طائفة، وفي المسائل الأخرى من مسائل القدر إلى طائفة ثانية، ويكون الحكم عليها حسب ما يغلب على مذهبها، فقد يقال أنها مائلة إلى مذهب الجبر، أو إلى مذهب القدر أو إلى مذهب السلف.

بعد التتبع والبحث في كتب الأشاعرة، وخصوصا باب القدر، تبين لي أن مذهب الأشاعرة في القدر لا يتمثل في مسألة الكسب فقط، كما هو مشهور عنهم وإنما ارتبط بهذه المسألة التي اشتهروا بها مسائل أخرى مرتبطة بها لا تنفك عنها، ولها أثر كبير على مذهبهم في الكسب وأفعال العباد، وسأبين إن شاء الله في هذا المطلب معنى القدر عند الأشاعرة بنقل أقوالهم دون تغييرها بزيادة أو نقصان، وذكر آرائهم بإيجاز في مسألة الكسب وأفعال العباد.

استهل البيهقي في كتابه الاعتقاد، باب القول في الإيمان بالقدر، كلامه بقول الله عز وجل: ﴿وكل شيء أحصيناه في إمام مبين﴾، وقوله تعالى: ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾.

ثم انتقل إلى التعريف بالقدر فقال: والقدر: اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر، يقال:قدرت الشيء وقدرته بالتشديد والتخفيف فهو قدر أي مقدور ومقدر، كما يقال: هدمت البناء فهو هدم أي مهدوم.

وقبضت الشيء فهو قبض أي مقبوض، فالإيمان بالقدر هو الإيمان بتقدم علم الله سبحانه بما يكون من أكساب الخلق وغيرها من المخلوقات، وصدور جميعها عن تقدير منه، وخلق لها خيرها وشرها.

وقال البيهقي أيضا في كتاب القضاء والقدر: إن أفعال الخلق كلها مقدرة لله عز وجل مكتوبة له وإن الله عز وجل لم يزل عالما بما يكون ولا يزال عالما بما كان ويكون، قال تعالى: ﴿ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾.

وقال سبحانه: ﴿ذلك تقدير العزيز العليم﴾.

فقدر ما علم أن يكون وهو أن كتب ما علم ثم خلق ما كتب فمضى الخلق على كتابه وتقديره وعلمه لا راد لقضائه، ولا مرد لحكمه ولا تبديل لخلقه ولا حول ولا قوة إلا به.

وقد ساق البيهقي بعد ذلك أحاديثا كثيرة في القدر، وهي خمس مائة وخمس وستون حديثا ومدارها كلها حول القدر، وأذكر بعضها فقط لمزيد إيضاح.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة".

عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أول ما خلق الله القلم وأمره أن يكتب كل شيء يكون".

ومما ذهب إليه البيهقي رحمه الله أن أفعال العباد جميعها مقدرة لله تبارك وتعالى، لا يخرج شيء منها عن قدرته ومشيئته، لأن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى، واستدل لذلك بقوله سبحانه: ﴿وما تشاؤون إلا أن يشاء الله﴾، وقال بعد إيرادها: فأخبر أنا لا نشاء شيئا إلا أن يكون الله قد شاء، وهو بهذا الرأي موافق لرأي السلف في هذه القضية، كما ذكر ذلك البخاري في كتاب خلق أفعال العباد.

إلا أن البيهقي وإن اتفق مع السلف على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وتابعة لمشيئته، فإنه قد خالف السلف في أهم عنصر في هذه القضية ألا وهو قدرة العبد.

فقد ذهب رحمه الله إلى أن قدرة العبد لا تأثير لها في فعله، مستدلا بقوله تعالى: ﴿فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾، حيث قال مبينا وجه استدلاله: فسلب عنهم فعل القتل والرمي، مع مباشرتهم إياه، واثبت فعلها لنفسه، ليدل بذلك على أن المعنى المؤثر في وجودها بعد عدمها هو إيجاده وخلقه، وإنما وجدت من عباده مباشرة تلك الأفعال بقدرة حادثة أحدثها خالقنا عز وجل على ما أراد، فهي من الله سبحانه خلق، على معنى أنه هو الذي اخترعها بقدرته القديمة، وهي من عباده كسب على معنى تعلق قدرة حادثة بمباشرتهم التي هي إكسابهم.

فهذا تصريح من البيهقي ينفي تأثير العبد في فعله ويثبت له مجرد الكسب الذي اشتهر القول به عند جمهور الأشاعرة والمعروف بكسب الأشعري.

وبقول الأمدي ـ حاكيا مذهب هؤلاء القوم ـ وذهب أهل الحق إلى أن أفعال العباد مضافة إليهم بالإكساب وإلى الله تعالى بالخلق والاختراع، وأنه لا أثر للقدرة الحادثة فيها أصلا.

جاء تعريف القضاء والقدر في حاشية الإمام البيجوري على جوهرة التوحيد كما يلي: فالقدر عند الأشاعرة: إيجاد الله الأشياء على قدر مخصوص ووجه معين أراده تعالى، فيرجع عندهم لصفة فعل، لأنه عبارة عن الإيجاد وهو من صفات الأفعال.

والقضاء عند الأشاعرة: إرادة الله الأشياء في الأزل على ما هي عليه فيما لا يزال، فهو من صفات الذات.

وقال الإمام الباجوري في خلق أفعال العباد: والحاصل أن الناس بعد اتفاقهم على أن الله خالق للعباد ولأفعالهم الاضطرارية اختلفوا في أفعالهم الاختيارية، فنحن نقول: إن الله خالق لها أيضا، ونقل عن الأستاذ أنها بالقدرتين: أي قدرته تعالى وقدرة العبد، وفيه أن القدرة القديمة لا شريك لها ولا معين.

وعرف ابن حجر الهيتمي رحمه الله القضاء والقدر في كتابه فتح المبين فقال: والقضاء: علمه أولا بالأشياء على ما هي عليه، والقدر: إيجاده إياها على ما يطابق العلم.

وقال في موضوع آخر: القضاء ـ عند الأشعرية ـ إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه، والقدر: إيجاده إياها على قدر مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأفعالها، وما ذكره ابن حجر رحمه الله هو مذهب بعض الشاعرة لا كلهم.

وأوضح ابن حجر في كتابه فتح المبين معنى الإيمان بالقضاء والقدر، فقال في شرحه لحديث جبريل:"قوله: وتؤمن بالقدر خيره وشره".

.

.

أي بأن ما قدر الله في أزله لا بد من وقوعه وما لم يقدر يستحيل وقوعه، وبأنه تعالى قدر الخير والشر قبل خلق الخلق، وأن جميع الكائنات بقضائه وقدره، وإرادته لقوله سبحانه: ﴿وخلق كل شيء﴾، وقال تعالى: ﴿والله خلقكم وما تعملمون﴾، وقال أيضا: ﴿وما تشاءون إلا أن يشاء الله﴾.

ولإجماع السلف والخلف على صحة قول القائل: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وقال ابن حجر الهيتمي: واعلم أن الإيمان بالقدر على قسمين: أحدهما: الإيمان بأنه تعالى سبق في علمه ما يفعله العباد من خير وشر وما يجازون عليه، وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه وأن أعمال العباد يجري على ما سبق في علمه وكتابه.

ثانيهما: أنه تعالى خلق أفعال عباده، كلها من خير وشر، وكفر وإيمان.

وتكلم الإمام عضد الدين عبد الرحمان بن أحمد بن عبد الغفار الإيجي الشيرازي في متن العقائد العضدية عن القدر فقال: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فالكفر والمعاصي بخلقه وإرادته، ولا يرضاه غني ولا يحتاج إلى شيء، ولا حاكم عليه ولا يجب عليه شيء كاللطف والأصلح والعوض على الآلام ولا الثواب عليه في الطاعة والعقاب على المعصية، بل إن أثاب فبفضله وإن عاقب فبعدله.

ولا قبيح منه ولا ينسب فيما يفعل أو يحكم إلى جور أو ظلم، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا غرض لفعله، راعى الحكمة فيما خلق وأمر تفضلا ورحمة ولا حاكم سواه، فليس للعقل حكم في حسن الأشياء وقبحها وكون الفعل سببا للثواب والعقاب، فالحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، وليس للفعل صفة حقيقية أو اعتبارية باعتبارها حسن أو قبح ولو عكس لكان الأمر بالعكس.

وقال الإيجي في المواقف: المقصد الأول في أن أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله تعالى وحدها، وليس لقدرتهم تأثير فيها، بل الله سبحانه أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختيارا، فإذا لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما فيكون فعل العبد مخلوقا لله إبداعا وإحداثا، ومكسوبا للعبد.

ثم عرف بعد ذلك الكسب بقوله: والمراد بكسبه إياه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون منه تأثير.

وهكذا يتضح لنا مما سبق تقديمه من تعريفات الأشاعرة للقدر أنهم يوافقون السلف أهل السنة والجماعة في تعريف القدر، إلا أن قولهم بعدم تأثير قدرة العبد في فعله مخالف للعقل وللشرع معا، لأن العقل يلاحظ من الإنسان قدرته على الفعل والترك بطوعه واختياره، وأما الشرع فقد نسب الفعل إلى العبد في أكثر من موضع، كما صرح بأن العبد وفعله مخلوقات لله تبارك وتعالى، ومشيئة العبد تابعة لمشيئته سبحانه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0